بقلم: السيّد حذيفة علي الندوي، كيمبردج، بريطانيا.

من أعجب العناوين وأخبثها في زمننا هذا، ما تجرأ عليه حسن بن فرحان المالكي في كتابه الذي سمّاه: “معاوية فرعون هذه الأمة”.

فهذا العنوان وحده كافٍ لإدراك مستوى الانحراف والوقاحة التي بلغها هذا الرجل، حيث شَبَّه سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، خال المؤمنين، وكاتب الوحي، وأحد كبار الصحابة، بفرعون، عدو الله، رمز الكفر والطغيان.

وهذا التشبيه ليس اجتهادًا علميًّا، ولا نقدًا تاريخيًّا، بل هو سبٌّ صريح وطعنٌ خبيث في أحد أعمدة الجيل الذي زكّاه الله في كتابه، ورضي عنهم في أكثر من موضع.

أما المؤلف حسن المالكي، فقد اشتهر بين أهل العلم وطلبة الحديث بانحرافه عن منهج أهل السنّة، وميله الصريح للفكر الزيدي المتلبّس بالتشيّع، وبثّه الشبهات ضد الصحابة، والطعن في البخاري ومسلم، وتشكيكه المتكرر في أصول الحديث، واستخدامه مصطلحات ظاهرها الإنصاف وباطنها التضليل.

وقد فضحه أهل التحقيق مرارًا، وأثبتوا عليه خيانات علمية صريحة، منها:

• اقتطاعه للنصوص من سياقاتها.

• تحريفه لمقاصد الأئمة في الجرح والتعديل.

• تلاعبه بمفاهيم المصطلح والعدالة في الرواية.

• إخفاؤه عمّا يُخالف هواه من أقوال أهل العلم.

وليس عجيبًا أن يركّز المالكي في كتبه على العوام، محاولًا التأثير في عاطفتهم بأساليب خادعة، وألفاظ مثيرة، وتقديم شبهات قديمة بثوب جديد.

ومن العجيب أن بعض الناس قد بدأ ينشر هذا الكتاب ويظنه بحثًا محايدًا أو اجتهادًا علميًّا، بينما هو في الحقيقة هجومٌ سافرٌ على جيل الصحابة، ومخالفة صريحة لعقيدة أهل السنّة والجماعة.

وقد قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله قولته المشهورة:

“معاوية عندنا محنة، من نظر إليه بعين السخط اتّهمناه على القوم.”

وهذا ميزانٌ دقيقٌ، يُبيّن أن الطعن في معاوية رضي الله عنه ليس مسألةً فرعية، بل بوابةٌ لطعنٍ أوسع في الصحابة، وفي ثوابت الدين.

قال الإمام محمد بن سيرين رحمه الله:

“إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.”

وهنا لا بد من تذكير كل مسلم بعقيدته في الصحابة رضي الله عنهم، فإن عقيدة المسلمين منذ صدر هذه الأمّة وإلى يومنا هذا: أن الصحابة جميعًا عدول، لا يُستثنى منهم أحد.

وقد أثنى الله عليهم ثناءً مطلقًا، لم يقيّده بقيد، ولم يخصّه بفئة، بل قال سبحانه:

﴿وَالسَّابِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلْأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَٰنٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا۟ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى تَحْتَهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًۭا ۚ ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾

سورة التوبة، الآية 100

فمن عمّه الله برضاه، من ذا الذي يجرؤ أن يسلُبَه هذا الرداء؟

فمن زعم أن الصحابة أو أكثرهم أو بعضهم قد بدّلوا بعد وفاة النبي ﷺ، فقد اتّهم الله تعالى في علمه، وكأنّه يقول إن الله لم يكن يعلم ما سيكون من حالهم، وهذا قول باطل، يؤول إلى الكفر، ولا يُكفَّر قائله إلا بعد إقامة الحجة، كما هو مقرر في العقيدة.

فإذا آمن المسلم بسعة علم الله، وبأن الله عزّ وجل قد رضي عنهم مع علمه التام بما كان وما سيكون، لم يبق أمامه إلا التسليم.

ولهذا حرص أهل السنّة منذ القرون الأولى على ترسيخ هذا الأصل في كتب العقيدة، بل وتقديمه في أوائل كتب الفقه، كما هو ظاهر في “متون الأئمة”، لأن الطعن في الصحابة مدخل للبدعة، ومفرق بين أهل السنّة وأهل الأهواء.

فمن المعيب بعد ذلك كله أن يُؤخذ الدين ممن عرف بالطعن في خيار هذه الأمة، أو ممن خان الأمانة العلمية، أو لبّس على الناس باسم “النقد” و”التجديد”.

فنصيحتي لكل مسلم حريص على دينه، ومحبٍّ لصحابة نبيّه ﷺ، أن يحذر من هذا الكتاب ومن مؤلفه، وألا ينخدع بالأسلوب أو العنوان، فإن الباطل مهما تزيّن يبقى باطلًا.

قال رسول الله ﷺ:

“لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه” (رواه البخاري).

اللهم اجعل ألسنتنا طيبة مباركة عند ذكر أصحاب نبيك، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top