بقلم: السيد حذيفة علي الندوي، كامبريدج
فاجأنا خبر هلِعت به النفوس وجفت به القلوب وارتعدنا من مفرق الرأس إلى أخمص القدم. وهو خبر وفاة الصديق الكريم، الأخ الحبيب الذي سعد بخدمة التدريس بحمد الله منذ أن شب في دار العلوم لندوة العلماء، و جاءه أجله في حادث سيارة وهو في الطريق إلى بيت جده. لقد حزنت له أفئدة ، وأعين تدمع، وألسنة تتضرع إلى الله داعية له بالغفران والرحمة. وندعو الله أن يجعله من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. وإننا لا نملك أمام مصيبة من مصائب هذه الدنيا الفانية إلا أن نقول ما نتلوه في القرآن {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيۡهِ رَاجِعُونَ} وما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب. رواه الدارمي في سننه، والطبراني في الكبير وغيرهما.
كان الأستاذ رجلاً نبيلاً،ذا أخلاق حسنة قل أمثاله اليوم، رضِيًّا محبَبًا إلى الذين عرفوه. والسرُّ فيه يرجع إلى نعومة أظفاره حيث ولد في بيئة علمية صالحة فتلقى فيها دروس سماحة النفس، وسعة الصدر، وحسن الخلق، ورقة الطبع، فكان رجلا سهلا سمحا، يُحِبُّ ويُحَبُّ، يرحم الصغير، ويوقّر الكبير، ويقْري الضيف، ويبذل للمحتاج، ويعين على نوائب الحق. وقد ظهر هذا في ذهابه وإيابه، كما ظهر في تعامله وسلوكه وكانت حياته مجسمة بالأخلاق الحسنة والشيم الرفيعة. ولا أذكر أني سمعت منه شيئا أكره فكان يأخذ من المنهج النبوي: (إنَّ من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا) رواه الترمذي.
لقيت الأستاذ أولا في لكناؤ عام ٢٠٠٧ في جامعة دار العلوم التابعة لندوه العلماء وكان ذلك حينما التحقت بتحفيظ القرآن. وكانت معه ذكريات حسنة أيام طلبي بندوة العلماء فقد كنت أحضر عنده في منزله وكان يفيدنا بأسلوبه الجميل فقد كان يمتاز بين أقرانه بأقله تكلفا. كان يساعد الطلاب الأجانب في الندوة وأصبح كصديق لهم وبعد من بينهم التكلف ويحبونه وهو يحبهم. وسافرت معه إلى عديد من الأماكن لاسيما للقاء المحدث الكبير الشيخ محمد يونس الجونفوري رحمه الله. وقد قيل: إنما سُمِّي السفر سفرًا، لأنه يُسفر عن أخلاق الرجال. زرته في منزله قبل شهرين حيث عرفني عن كتبه التي حققها. منها:زبدة الحواشی لأصول الشاشي ومشارق الأنوار وزبدة التفاسير للعلامة عبدالوهاب الكجراتي وله كتاب بالأردية عن حياة جده الشيخ قاري صديق باندوي رحمه الله المسمى “صديق دورواں”. رحم الله الفقید ونفعنا بعلومه وكتبه فقد عاش حميدا ومات شهيدا. اللهم ارفع وأمطر عليه من شآبيب رضوانك.واجعله من المغفورين.